فصل: باب الرهن وما يتعلق به:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب الرهن وما يتعلق به:

من حوز وضمان واختلاف المتراهنين. وهو لغة اللزوم والحبس وكل شيء محبوس فهو رهن قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} (المدثر: 38) أي محبوسة والراهن دافعه والمرتهن بالكسر آخذه وبفتحها اسم للمرهون ويطلق أيضاً على آخذه لأنه وضع عنده وعلى الراهن لأنه سأله أي طلب منه، وشرعاً يطلق تارة بالمعنى المصدري، وعليه قول (خ) الرهن بذل من له بيع ما يباع، وبالمعنى الاسمي، وعليه ابن عرفة حيث قال: الرهن مال قبض توثقاً في دين فتخرج الوديعة، والمصنوع بيد صانعه وقبض المجني عليه عبداً جنى عليه، وإن شاركاه في الأحقية لجواز اشتراك المختلفات في أمر يخصها ولا تدخل وثيقة ذكر الحق ولا الحميل ولا يخرج ما اشترطت منفعته لأن شرطها لا ينافي قبضه للتوثق. اهـ. فالوديعة خرجت بقوله توثقاً وخرج المصنوع والعبد الجاني بقوله: في دين. والأمر الذي شاركا الرهن فيه هو الاختصاص بالشيء دون الغرماء والأمور المختلفة حقائقها قد تشترك في أمر يخصها كاشتراك البيع والشركة في اللزوم في العقد مع اختلاف حقيقتها والهبة والحبس في الحوز مع اختلافهما أيضاً، وإنما لم تدخل أذكار الحقوق لأنها ليست مما يباع وإنما يباع ما فيها كذا قيل، وفيه نظر إذ الرهن يجوز فيما لا يباع كالغرر على أن الأذكار قد يقال إنها تباع ولو للتسفير بها ونحوه، وقد صرح (ز) وغيره بجواز هبتها وعليه عمل الناس اليوم إما لكونها تباع لما ذكر، وأما لكون ربها لا يتوصل لبيع ما فيها من الأملاك أو الديون إلا بها لقول ناظم العمل:
ونسخة خذ من شراء البائع ** لمشتر تنفع في التنازع

وافهم قوله في دين أن الرهن لا يكون في المعينات وهو كذلك ولا يرد أخذ الرهن في العارية لأنه ليس في ذاتها بل في قيمتها إن هلكت، واعترض الوانوغي التعريف المذكور بأنه لا يشمل إلا ما هو مقبوض ولا خلاف أن القبض ليس من حقيقته، بل هو شرط في الاختصاص به. اهـ. واعتراضه وارد حتى على قول (خ) بذل إلخ. وعلى قول ابن الحاجب إعطاء الخ لأن عبارتهما إنما تشمل ما دفع، ولما اعترض الوانوغي ذلك عرفه بأنه عقد لازم لا ينقل الملك قصد به التوثق في الحقوق. اهـ. قلت: ولا يشمل تعريفه الضامن لأن الشيء إنما يسلب عمن شأنه أن يتصف به، وهو المتمولات لأنها التي تتصف بانتقال الملك تارة وعدمه أخرى أي عقد لازم على متمول لا ينقل الخ والله أعلم.
وعرفه الناظم بالمعنى المصدري إلا أنه لا يرد عليه ما ورد على غيره فقال:
الرَّهنُ تَوْثِيقٌ بِحَقِّ المُرْتَهِنْ ** وَإنْ حَوىقَابِلَ غَيْبَةٍ ضُمِنْ

(الرهن) مبتدأ (توثيق) خبره والتنوين عوض عن المضاف إليه أي توثيق متمول (بحق المرتهن) يتعلق بتوثيق أو بمحذوف صفة له أي: الرهن أن يوثق متمول في حق المرتهن فالتوثيق أعم من أن يكون بالعقد فقط أو به مع القبض، والمراد بالحق الديون وقيم المتلفات كما مرّ. البرزلي عن الغرناطي: يصح الرهن بأربعة شروط. أن لا يكون مما لا يجوز بيعه على كل حال كالميتة، وأن تعاين البينة قبضه، وأن لا يرجع إلى الراهن وأن يكون في كل شيء يمكن استيفاؤه من ثمن الرهن لا فيما شرطه التقابض كالصرف والتصيير والإقالة في رأس مال السلم وبيع الطعام بالطعام ولا في الكتابة ولا في الجعل قبل العمل ولا كل ما فيه حد أو قود ولا فيما لا يضمن كالعارية فيما لا يغاب عليه. اهـ.
قلت: ومن الشرط الأول يفهم رهن الآبق وذكر الحق دون ما فيه وكيفية وثيقته أشهد فلان أن في ذمته لفلان كذا من ابتياع كذا، أو من سلف قبضه بالاعتراف أو المعاينة يؤديه ذلك لوقت كذا على أن رهن بيده في ذلك. كذا إن كان داراً أو عقاراً فتذكر حدود ذلك وموضعه وإن كان عروضاً أو حيواناً وصفته بما لابد منه ثم تقول: رهناً ممنوعاً من الفوت وأسبابه إلى الوقت المذكور، فإن وفاه دينه رجع إليه رهنه وإلاَّ كان بينهما موجب الشرع وحاز المرتهن الرهن حوزاً تاماً معاينة بموافقة الراهن وتخليه شهد عليهما إلخ. وإن جعل له الانتفاع بالرهن.
قلت: بعد قوله: وتخليه وجعل له الانتفاع بالرهن طول المدة المذكورة لاتفاقهما على ذلك في أصل العقد، وإن فوض له في البيع. قلت: أثر قولك رجع إليه رهنه وإلاَّ فقد جعل له بيع الرهن المذكور وصدقه في البيع وأسبابه بما يرى من الثمن، وكيف يرى وقبض الثمن وإنصاف نفسه دون مشورته ولا قاض ولا إثبات سداد غاب أو حضر أقامه في ذلك مقامه في الحياة، ومقام الوكيل المفوض إليه والوصي بعد الممات. وحاز إلخ. فإن سقط وصف الحيوان أو العروض أو الأجل أو حدود العقار، واختلفا في المرهون من ذلك ما هو جرى على ما يأتي في اختلاف المتراهنين، وقولنا: ممنوعاً من الفوت إلخ. لزيادة البيان وإلاَّ فالرهن لا يكون إلا كذلك لأن تلك حقيقته وإن سقطت الحيازة جرى على ما يأتي في قوله: والحوز من تمامه إلخ. كما يأتي أيضاً تفصيل ما يجوز فيه اشتراط المنفعة وتفصيل ما يجوز بيعه إن جعله في أصل العقد عند قوله: وجاز في الرهن إلخ. وعند قوله: وبجواز بيع محدود الأجل. إلخ. والله أعلم.
(وإن حوى) شرط فاعله ضمير يعود على المرتهن ومفعوله محذوف (قابل غيبة) صفة لذلك المحذوف أي: وإن حاز المرتهن رهناً قابل غيبة وهو ما عدا الحيوان والعقار من الحلى والعروض وغيرهما وادعى ردّ ذلك أو تلفه (ضمن) بالبناء للفاعل جواب الشرط وضميره للمرتهن أي: يضمنه إن مثلياً فمثله، وإن مقوماً فقيمته، وهل تعتبر يوم الضياع أو يوم الارتهان؟ قولان، ولابد من يمينه لأنه يتهم على إبقائه رغبة فيه فيحلف في دعوى التلف أنه لقد تلف وما دلس، وفي الضياع أنه لقد ضاع ولا يعلم موضعه، والتلف ذهاب العين والضياع غيبتها بسرقة ونحوها. وظاهره أن الضمان يستمر ولو قبض الدين أو وهب وهو كذلك، وظاهره أنه يضمن قابل الغيبة ولو شرط البراءة وهو كذلك. وظاهره كظاهر (خ) وابن الحاجب بطلان الشرط كان في العقد أو بعده وهو ظاهر تعليل الرواية بأنه خلاف السنة كما في الالتزامات. وقيل محل البطلان إن كان في صلب العقد لأن الرهن حينئذ له حصة من الثمن لا بعده فيعمل بشرطه، واعتمده بعض شراح (خ). ومفهوم دعوى أنه لا ضمان عليه فيما لم يحوه كما لو دخل على بقائه بموضعه كزرع قائم في فدانه أو ثمر على أصله أو في جرينه وأعدال في فندق ونحو ذلك، وأحرى لو وقف بيد أمين كما يأتي، ومفهوم قابل غيبة أن ما لا يقبلها لا ضمان عليه وهو كذلك ولو بشرط ثبوته (خ): إلا أن يكذبه عدول في دعواه موت دابته أو غصبها أو سرقتها حضراً أو سفراً أو ريئت عنده بعد اليوم الذي ادعى فيه الموت ونحوه فيضمن حينئذ لظهور كذبه.
ولما كان الضمان للتهمة وهي تنتفي بالبينة على المشهور خلافاً لأشهب قال الناظم:
مَا لَمْ تَقُمْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَهْ ** لِمَا جَرى فِي شَأْنِهِ مُعَيِّنَهْ

(ما لم تقم له) أي للمرتهن (عليه) أي على رده أو تلفه (بينه) ولو شاهداً مع يمين (لما جرى في شأنه معينه) بكسر الياء المشددة اسم فاعل صفة لقوله بينة والمجرور يتعلق بهذه الصفة، (وما) الأولى ظرفية مصدرية، والثانية موصولة واقعة على الرد والتلف بحرق وسرقة ونحوهما أي: شهدت بمعاينة ذلك التلف من حرق أو غرق أو قرض فار ونحو ذلك، وظاهره أن الشهادة بتلك المعاينة كافية ولو لم تقل إن النار ونحوها بغير سببه وهو كذلك على المعتمد لأن الأصل عدم التفريط والعداء خلافاً لظاهرها مع ابن المواز وفهم من قوله معينة أنها إذا لم تعين ذلك ضمن ولو علم غرق أو احتراق محله المعتاد وضعه فيه كحانوته أو مخزنه، وادعى أنه كان به وهو كذلك على المشهور (خ) مبالغاً في الضمان، ولو شرط البراءة أو علم احتراق محله، وأفتى الباجي والمازري بعدم الضمان في هذه الحالة واحترزت بقولي: وادعى إنه كان به إلخ. مما إذا أثبت أنه كان فيه فإنه لا يضمن باتفاقهما مع الغير، ومعنى ذلك أنه إذا أثبت أنه كان بذلك المحل قبل وقت الغرق والحرق، وإلاَّ فهو المعاينة. والظاهر إن علم بسرقة المحل أو غصبه أو نهبه بحيث يقطع بأن ذلك ليس من فعل المرتهن كسرقة حوانيت أو فناديق فأس أو نحوها يجري فيه الخلاف المذكور، وقد أفتى المازري في نهب الأسواق بعدم الضمان كما في ضيح والنفس إلى ما قاله الباجي والمازري أميل والله أعلم.
تنبيه:
إن جنى أجنبي على الرهن وأخذ الراهن قيمته أو مثله فالمأخوذ رهن إن لم يأت الراهن برهن ثقة، فإن عفا الراهن عن الجاني نفى الدين بلا رهن.
وَإنْ يَكُنْ عِنْدَ أَمِينٍ وُقِفَا ** فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ مَهْمَا تَلِفَا

(وإن يكن عند أمين) يتعلق بقوله: (وقفا فلا ضمان فيه مهما تلفا) ظاهره كان مما يغاب عليه أم لا، وهو كذلك. ومن دعا من المتراهنين إلى وضعه عند الأمين أجيب لأن الراهن يقول: لا أرضى بأمانتك والمرتهن يقول: لا أضمنه إن كان مما يغاب عليه، ولا أتكلف مشقة حفظه إن كان مما لا يغاب عليه، وهذا إذا لم يشترط وضعه عند المرتهن أو الأمين في العقد، وإلاَّ فيعمل بالشرط والعادة ليست كالشرط هاهنا خلافاً للخمي (خ): والقول لطالب تحويزه لأمين، وفي تعيينه نظر الحاكم، وإن أسلمه إلى الأمين دون إذنهما أو دون إذن أحدهما بأن أسلمه للمرتهن صح أو الراهن ضمنه إن تلف انظر شرح الشامل.
وَالْحَوْزُ مِنْ تَمَامِهِ وَإنْ حَصَلْ ** وَلَوْ مُعَاراً عِنْدَ رَاهِنٍ بَطَلْ

(والحوز) مبتدأ خبره (من تمامه) فإن شهدت بينة بالحيازة وفراغ الرهن من شواغل الراهن وشهدت الأخرى بأن الرهن لم يزل بالدار إلى حين التفليس ونحوه، وزعم المرتهن بأنه لا علم له برجوع الراهن بطل الحوز انظر البرزلي في المديان، وتقدم شيء من ذلك عند قوله: وقدم التاريخ إلخ. وظاهر النظم أن الحوز شرط في صحة الرهن وليس كذلك، بل هو شرط في الاختصاص به، وحينئذ فيقدر في الكلام حذف أي من تمام اختصاصه به لأن الرهن صحيح حيز أم لا. كما مر أول الباب إلا أنه لا يختص به إلا بالحوز قبل حصول المانع من موت أو فلس أو نحوهما. ابن عرفة: فقبضه شرط خاصية وهي اختصاص المرتهن به، ثم قال عن المازري: وصفة قبضه بنقل التصرف فيه عن راهنه لمرتهنه بما ينقل عنه بجعله تحت يده، وما لا كالربع يصرف التصرف فيه عن راهنه. اهـ. وظاهر النظم أنه يبطل بعدم الحوز ولو جدَّ في طلبه وهو كذلك بخلاف الهبة، وظاهره أيضاً مجرد شهادة البينة بكونه بيده قبل المانع كاف في الاختصاص به سواء عاينت تسليمه من يد الراهن وهو التحويز، أو لم تعاين ذلك، وإنما رأيته بيده قبل المانع وهما قولان. حكاهما ابن يونس وغيره كما في ضيح، وقيل لابد من التحويز وقيل يكفي الحوز، بل ظاهر النظم يشمل حتى وجوده بيده بعد المانع وادعى أنه حازه قبله ولم تشهد له بذلك بينة إذ الحوز وضع اليد على الشيء المحوز، وذلك صادق بالأوجه الثلاثة وبصحته في الوجه الأخير. قال مطرف وأصبغ: والمعتمد خلافه (خ) ودعوى الحوز بعد مانعه لا تفيد إلخ. وما في ابن ناجي في شرح المدونة في باب الهبة عن ابن عات من أن العمل عليه أي على قول أصبغ ومطرف فيه نظر. لأن ابن عات إنما ينقل عن الاستغناء العمل المذكور في الوجه الثاني، وهو قول ابن الماجشون واختاره الباجي كما أشار له (خ) بقوله: وهل تكفي بينة على الحوز قبله، وبه العمل أو التحويز وفيها دليلهما وبه شرحه (خ) و(ق) وغيرهما، وبالجملة فالوجه الأخير لا يحمل عليه النظم لعدم القائل بترجيحه أو جريان العمل به، والمشهور من الأولين اشتراط التحويز في الرهن بخلاف الهبة، والفرق بقاء ملك الراهن في الرهن دونها قاله ابن عرفة في باب الهبة والقلشاني وغيرهما. ابن ناجي: وباشتراطه العمل عندنا الرصاع وهو الصحيح.
قلت: اشتراط التحويز الذي هو كون الحيازة بإذن الراهن كما في القلشاني وغيره لابد أن يكون ما تعاينه تحويز أي بإذن المالك إن كان ذلك الاشتراط لأجل أنه لو لم يأذن لم يجز لقوة يده ببقاء ملكه فواضح وإن كان يقضي عليه ويمكن المرتهن من الحيازة إن استمر على الامتناع حيث كان الرهن معيناً وإن كان غير معين خير البائع في فسخ العقود كما هو المنصوص فيه. فأي فائدة لاشتراطه إذ المرتهن لو حازه بغير إذنه لكان كمن فعل فعلاً لو رفع للحاكم لم يفعل غيره، ولذا لم يشترط في المدونة والرسالة وغيرهما من كتب الأقدمين إلا معاينة الحيازة احترازاً من الإقرار بها كما عليه جمع من شراح الرسالة كالقاضي عبد الوهاب والفاكهاني وغيرهما، واقتصر عليه الفشتالي في وثائقه، ولذا قال ابن ناجي: ظاهر المدونة عدم اشتراطه. قلت: وهو ظاهر قوله تعالى: {فرهان مقبوضة} (البقرة: 283) وقال المازري: أي مشروطة القبض بالقصد إخراج للآية عن ظاهرها بعيد من لفظها، وإنما يظهر القول بالتحويز على قول أبي حنيفة والشافعي القائلين إن الرهن لا يلزم بالقول، بل بالقبض فإذا رهنه رهناً فهو بالخيار إن شاء سلم إليه الرهن، فحينئذ يكون لازماً وإن شاء لا يسلمه فلا يكون رهناً ولا يلزمه تسليمه وبالجملة فاشتراطه مع القضاء به عند الامتناع مشكل إذ إذنه بالقضاء كالعدم لأنه مقهور ويلزم عليه التحكم لأن التعليل ببقاء الملك يوجب أن لا يجبر، ولذا استدل ابن عرفة على عدم اشتراطه بكون الواهب يقضى عليه بالحيازة فانظره، وحينئذ فليس لنا في اشتراطه إلا مجرد التقليد، وظاهر اشتراطه أنه لا يكفي تحويز الأجنبي للمرتهن بغير إذنه، وقد نص في المدونة على أن الهبة لا تصح بحوز الأجنبي بغير إذن الموهوب له، والرهن أشد منها فقوله: والحوز على حذف مضاف وصفة أي: ومعاينة الحوز المستمر يدل على الصفة قوله: (وإن حصل) شرط وضميره للرهن (ولو معاراً) خبر كان المحذوفة مع اسمها بعد لو وجواب لو محذوف لدلالة إن عليه لأنه مؤخر من تقديم (عند راهن) يتعلق بحصل (بطل) جواب إن أي إن الرهن إذا حصل عند الراهن، ومن في حكمه ممن للراهن تسلط عليه كمحجوره وزوجته ورقيقه ولو مأذوناً أو ذا شائبة ومثله صديقه الملاطف بأي وجه من عارية أو إيداع أو إجارة بطل اختصاص المرتهن به حيث حصل المانع من موت أو فلس أو قيام الغرماء وهو لا زال بيد من ذكر لأن هؤلاء لا يصح توكيلهم على حيازته، وحصوله عندهم على الوجه المذكور توكيل في الحقيقة. ألا ترى أن الإيداع توكيل لحفظ مال وعقد الإجارة والعارية للمحجور كعقدهما للحاجر يحولان يده والزوجة كالمحجور، وكذا الملاطف على المعتمد فيهما من أنه لا يصح توكيلهما على حوزه بخلاف من لا تسلط للراهن عليه كمكاتبه وولده الرشيد البائن عنه وأخيه (خ): وصح بتوكيل مكاتب الراهن في حوزه وكذا أخوه على الأصح لا محجوره ورقيقه إلخ. وظاهره عدم كفاية حوز المحجور ولو بائناً عنه. وقال ابن رشد: والقياس استواء الولد الصغير والكبير في صحة حيازتهما إن كانا بائنين عنه كاستوائهما في لغو حيازتهما إن كانا ساكنين معه، وكذا الزوجة والأخ إن كانا بائنين عنه، ونص عليه ابن الماجشون في الزوجة وكذا إن كانا ساكنين معه وحازا الرهن في غير موضع سكناهما اه بنقل ابن عرفة ومثله في النهاية فالضمير في بطل يرجع للرهن على حذف مضاف أي: وإن حصل الرهن عند راهن أي ومن في حكمه لأن حصوله بيد في حكمه كحصوله بيده بطل اختصاصه بالمرتهن لا أنه يبطل من أصله بدليل أنه إن قام لأخذه ممن ذكر قبل فوته بتحبيس أو عتق أو رهن أو بيع أو قيام المانع كان له ذلك، وفهم منه أنه إن حصل عند غير الراهن ومن في حكمه بشيء مما ذكر فأكراه الغير للراهن أو أعاره إياه أو أودعه إياه فإن الرهن لا يبطل، وهو كذلك حيث لم يتهم ذلك الغير على أنه اكتراه أو أعاره ليكريه أو يعيره للراهن. قال في التبصرة: ولا يكري المرتهن الرهن من قريب الراهن ولا لأحد من سببه ولا لصديقه الملاطف ولا لأحد يتوهم أن يكون اكترى ذلك للراهن، فإن أكراه لواحد من هؤلاء ثم أكراه للراهن خرج الرهن من الرهنية للتهمة الداخلة فيه من إجازته ممن يتهم عليه. اهـ. ونحوه في النهاية قال فيها: ولا ينبغي أي للمرتهن أن يكريه من الراهن ولا لأحد يكون من سببه بصداقة أو قرابة لئلا يكري المكتري ذلك من ربه فيخرج الرهن من يد مرتهنه للتهمة الداخلة في الرهن، وإذا أكراه المرتهن لأجنبي ليس بذي قرابة ولا صداقة فاكتراه الراهن من الأجنبي لم يضر ذلك المرتهن ولم يوهن رهنه. اهـ. ففهم من هذا النص أنه لا خصوصية للكراء بهذا الحكم، بل المدار على التهمة وهي فيما لا عوض فيه كالعارية وقبوله بالإيداع أقوى، وأنه حيث وجدت التهمة يبطل حيث أكراه للراهن كان قريباً أو أجنبياً بدليل قوله: ولا لأحد يتهم إلخ. لأن العطف يقتضي المغايرة. وقوله: من هؤلاء يعني من القريب والملاطف والأجنبي المتهم فإن كان الأجنبي غير متهم فأكراه للراهن فلا بطلان، وبه العمل قاله (ح).
قلت: ما به العمل هو المعتمد. قال ابن عرفة عن ابن القاسم: من ارتهن داراً ثم أكراها بإذن ربها من رجل، ثم أكراها الرجل من راهنها، إن كان الرجل من سبب الراهن لزم الكراء وبطل الرهن ما دامت الدار بيد راهنها، وإن كان أجنبياً عنه فذلك جائز. ابن رشد: هذا إن علم أنه من سببه وإلا فقولان مخرجان على القولين في حنث من حلف لا باع من فلان فباع ممن اشترى له وهو من سببه. اهـ. قال: وإنما صح الرهن في الأجنبي لأن المرتهن حينئذ مغلوب. اهـ.
قلت: وهو يدل على أنه لابد أن يعلم بملاطفته للراهن أو بكونه متهماً به فيما مر عن التبصرة وإلاَّ جرى القولان. وكذا يدل أيضاً على أنه لابد أن يعلم بكونه محجوراً في مسألة توكيله أو الكراء له فتأمله والله أعلم. وقوله في النص: بإذن ربها لا مفهوم له ولعله إنما قيده به لأن الغلة للراهن، وقد نص أبو الحسن عن ابن المواز على أن المرتهن لا يكري الرهن إلا بإذن الراهن إلا أن يكون على ذلك ارتهنه أو يشترط أن كراءه رهن مع رقبته. البرزلي: وبه الحكم. وروى ابن عبد الحكم أن له أن يكريه دون إذن ربه. أبو الحسن: لأن الراهن لما كان ممنوعاً من التصرف فيه فكأنه أذن للمرتهن في ذلك. اهـ. وقد علمت مما مر أول التقرير أن الملاطف يبطل الرهن بحصوله عنده، ولو لم يكره للراهن فما في التبصرة لعله مبني على القول المقابل فيه وهو أنه يصح توكيله ولا يبطل بحصوله عنده، بل حتى يكريه للراهن ثم ما قبل المبالغة في النظم يشمل الإجارة والوديعة ولا يشمل الغصب لأنه لا يبطل الرهن، ولو فات بعتق ونحوه أو قام الغرماء (خ): وغصب فله أخذه مطلقاً وما تقدم من أن للمرتهن أخذه إن قام قبل الفوت والمانع محله في الإجارة إن انقضت مدتها أو لم تنقض وقال: جهلت أن ذلك نقض لرهني ومثله ممن يجهل وحلف، فحينئذ يأخذه إن لم تقم الغرماء كما للخمي وإلاَّ فلا يأخذه. وفي العارية إن انقضى أجلها المحدود بزمن كجمعة أو عمل كإذا فرغت من حاجتك أي ولم تقم الغرماء قبل الأجل ولا عنده وإلاَّ فهو إسوتهم، والظاهر أنه إن قال: جهلت أن ذلك نقض لرهني يجري هنا أيضاً.
قلت: وهذا الذي ذكره اللخمي من أنه يأخذ إن قال: جهلت إلخ. نحوه لابن زرب فيمن وهب داراً فأعمر فيها واهبها مدة حياته، ثم أراد العمرى خوف بطلان هبته قال: فله ردها إن كان ممن يرى أنه يجهل بطلان هبته وإلاَّ فلا. قال ابن عرفة عقبه: وإبطاله العمرى مع الجهل فيه نظر وإلاَّ ظهر نزعها من يد الواهب وإكراؤها من غيره لإتمام الحوز كقولها في مدبر الذمي يسلم أنه ينزع من يده ويؤاجر عليه وكذا أم ولده اه فانظره. وأما إن لم تؤجل بواحد منها بطل الرهن من أصله (خ) وبطل بعارية أطلقت وعلى الرد اختياراً له أخذه إلخ.
فإن قلت: كيف تتصور الإجارة والغلة إنما هي للراهن؟ قيل: يحمل ذلك على ما إذا كان المرتهن اكتراه ثم أكراه للراهن أو على ما إذا اشترط المرتهن منفعته كما يأتي وكذا العارية.
تنبيهات:
الأول: مفهوم قوله: وإن حصل أنه إذا لم يحصل لم يبطل الرهن، ولو أذن المرتهن للراهن في السكنى والاعتمار فلم يفعل وليس كذلك، بل يبطل بمجرد إذنه كما في المدونة. البرزلي وغيره: وبه الحكم وعليه عول (خ) حيث قال: وبإذنه في وطء أو إسكان إلخ. فمفهوم المصنف فيه تفصيل، وإذا بطل الرهن بمجرد الإذن بقي دينه بلا رهن وليس له أخذه إذا رجع عن إذنه ولو قبل حصول المانع لأن عقد الرهن كما يلزم بالقول يسقط به. قال المازري: وظاهر رهون المدونة أنه لا يبطل بمجرد الإذن بل حتى يسلمه للراهن. البرزلي: وهو أحسن إن شاء الله.
الثاني: إذا كان الرهن يحتاج لموضع يوضع فيه فهل كراء الموضع على ربه أو على المرتهن؟ قال بعض الشيوخ: فأما الكثير من الطعام والمتاع والعدد من العبيد فالكراء في ذلك على الراهن كما قاله مالك في العتبية: وأما مثل الرأس من العبيد وشبهه كالثوب ونحوه مما يحوزه الرجل في منزله فقال مالك: لا كراء فيه وهو معارض لقول ابن القاسم في المدونة على الأب للحاضنة السكنى مع النفقة وموافق لقوله في الدمياطية: لا سكنى لها فالخلاف في ذلك جار على الخلاف في الحاضنة فيجب على هذا أن ينظر فإن كان المرتهن اشترط كون العبد بيده فحازه في بيته لا يكون له كراء، وإن كان الراهن دفعه له بطوعه كان له الكراء قاله في المتيطية. قال فيها أيضاً: وإذا عطل المرتهن الرهن ولم يكره حتى حل الأجل فقال أصبغ: لا شيء عليه. قال فضل: وهو أصل ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: يضمن كراء المثل من يوم الارتهان ما لم يكن الراهن عالماً بذلك ولم ينكر، وكذا الوكيل على الكراء يترك ذلك لا غرم على قول أصبغ كما في ابن عرفة، وانظر ما يأتي في الحبس إذا فرط الناظر في إكرائه وما مر عن المتيطية من أن قول أصبغ هو أصل ابن القاسم مخالف لما في ابن راشد أن قول ابن الماجشون هو أصل ابن القاسم قال: وهو الأصح. ونقله في ضيح مسقطاً قوله وهو الأصح، ونحو ما لابن راشد في شرح اليزناسني عند قول الناظم: وجاز في الرهن اشتراط المنفعة إلخ. ثم وقفت على أبي الحسن في باب الغصب قال: يقوم من قول ابن القاسم بأن الغاصب لا يضمن ما عطل من كراء الدار أن من وكل على ربع فتركه ولم يكره لا شيء عليه كالمرتهن إذا ترك إجارة الرهن، ويقوم من قول ابن الماجشون فضمان ما عطله الغاصب أن الوكيل يضمن. ابن ناجي: وذكرت هذه الإقامة في درس ابن عرفة فلم يرتض ذلك مفرقاً بأن الوكيل كالمكتري والمستعير فيلزمه أن الوكيل له الإذن بخلاف الغاصب، وأما شيخنا أبو مهدي فسلم ذلك وأقام منها مسألة أخرى وهو أنه يلزم الوصي الغرم إذا بور ربع اليتيم وقد وجد من يكريه، وقد نص ابن سهل على عدم الغرم. اهـ. وبه تعلم أن ما قاله المتيطي من أن أصل ابن القاسم موافق لأصبغ هو الصواب وتأمل عدم تسليم ابن عرفة للإقامة المذكورة مع أنه درج عليها في باب الرهن كما تقدم عنه قريباً وإقامة أبي مهدي جارية على قول ابن الماجشون، ونص ابن سهل جار على قول ابن القاسم.
الثالث: قال في المتيطية أيضاً: وإذا كان في الدار بيتان فسكن ربها واحداً ورهن الثاني وما يليه من الدار فأكراه المرتهن أو أغلقه فذلك رهن مقبوض إذا حد له نصف الدار، وإن سمي النصف يريد مع تسمية البيت ولم يحده كان أيضاً حوزاً. قال بعضهم: وهو مذهب المدونة. وقال أصبغ: واستحسنه فضل. اهـ. فيفهم منه أنه إذا لم يحد له النصف ولا سمى له البيت بطل الحوز وعليه فما يقع كثيراً في هذا الأوان من رهن بعض البيوت من غير تحديد ولا تسمية باطل ولا مفهوم للنصف بل الربع المحدود ونحوه كذلك والله أعلم.
وَالْعَقْدُ فِيه لِمُسَاقَاةٍ وَمَا ** أَشْبَهَهَا حَوْزٌ وَإنْ تَقَدَّمَا

(والعقد) مبتدأ (فيه) أي في الرهن يتعلق بالمبتدأ وكذا قوله: (لمساقاة وما أشبهها) مما فيه معاوضة كإجارة وكراء لا نحو إعارة أو إرفاق لأنه هدية مديان فإن وقعا وحاز بهما فالظاهر أن ذلك حوز ويرد المنافع، وهذا إن تأخرا عن الرهن لا إن تقدما فيجوز، وكذا الوديعة تجوز مطلقاً فإن كان الشيء وديعة عند شخص فيجوز رهنه لآخر بشرط أن يرهن جميعه وأن يعلم بذلك المودع فيحوزها للمرتهن، ويجوز أن تكون ما موصولة أو مصدرية وعلى كل حال معطوفة على مساقاة (حوز) خبر المبتدأ والواو في قوله: (وإن تقدما) واو النكاية وجواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه أي هذا إن تأخرت المساقاة وشبهها عن الرهنية، بل وإن تقدما. وظاهره أن العقد فيه بما ذكر حوز سواء كان العاقد هو الراهن أو الأمين الموضوع عنده الرهن وهو كذلك. ابن القاسم: من رهن حائطه فوضعه عند أمين فعقد الأمين فيه المساقاة لرب الدين جاز ونقله ابن عرفة وغيره، وإذا جازت مساقاة الأمين للمرتهن مع أنه نائب عن الراهن فكيف بجوازها من الراهن للمرتهن فلا معنى لتوقف (م)، على أن ابن سلمون قد صرح بذلك وأصله لابن عات كما في البرزلي، لكن لابد أن يساقيه أو يكريه بغير مسامحة وإلا جرى على مبايعة المديان وإنما نص الناظم على هذه المسألة وإن كانت داخلة تحت البيت قبله إذ العقد بما ذكر غير كاف بمجرده، بل لابد من الحيازة بالفعل للرد على قول مالك في الموازية أن من ارتهن ما في يده بمساقاة أو كراء قبل فراغ أجله لا يكون محوزاً للرهن لأنه محوز قبل ذلك بوجه آخر، ولذا بالغ عليه الناظم واقتصر عليه (خ) حيث قال: والمستأجر والمساقي وحوزهما الأول كاف لأن هذه الصورة هي محل الخلاف فهي المقصودة بالتنصيص، وأشعر قوله حوز أي حوز المرتهن لأن الكلام في حوزه أنه إن عقد ما ذكر لغيره وغير نائبه لا يختص به لأن هذا الغير حائز لحق نفسه، وسواء تقدم عقد الرهن على المساقاة ونحوها أو تأخر بدليل التعليل المذكور. نعم نص في الموازية على أن المرتهن إذا جعل مع ذلك الغير رجلاً يحوز له أو جعلا الرهن تحت يد من يرضيانه صح، ويفهم منه أنه لا تصح حيازة ذلك الغير ولو بتوكيل المرتهن وهو كذلك. قال مالك: جعله بيد المساقي أو أجير له يبطل رهنه، ثم اعلم أنه يشترط في المرهون فيه أن يكون ديناً في الذمة لازماً أو آيلاً للزوم فتخرج الأمانة كالقراض والمعينات ومنافعها، فلا يصح الرهن في العارية ولا في منافع دابة معينة وإن وقع فهو فيه أسوة الغرماء، وما ورد من أنه يصح في العارية فمعناه أنه في قيمتها إن هلكت كما مرّ. ودخل بالآيل للزوم الجعل والإجارة ونحوهما فيجوز أن تجاعله على طلب الآبق وتدفع له قبل العمل رهناً فيما يجب له من الجعل إن تم العمل، وليس لك أن تأخذ منه رهناً في العمل لأنه ليس لازماً ولا آيلاً إليه إذ لا يلزمه ولو بعد الشروع وبهذا تعلم ما في كلام الغرناطي المتقدم، وكذا يجوز أن تدفع رهناً الآن فيما تقترضه في المستقبل لأنه يؤول للزوم (خ): وارتهن أن اقترض أو باع أو يعمل له، وإن في جعل لا في معيّن أو منفعة ونجم كتابة من أجنبي إلخ. وأما شرط المرهون فهو ما أشار له بقوله:
وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُرْتَهَنُ ** مِمَّا بِهِ اسْتِيفَاءُ حَقَ يُمْكِنُ

(والشرط) مبتدأ وأل فيه عوض عن الضمير أي وشرطه أي شرط صحة عقده، ويجوز أن يكون على حذف المتعلق أي والشرط فيه أي في صحة العقد عليه (أن يكون ما) موصول اسم يكون (يرتهن) بضم الياء وفتح الهاء ونائبه يعود على الموصول (مما) يتعلق بمحذوف خبر يكون (به) يتعلق بالمبتدأ الذي هو (استيفاء حق) والباء بمعنى من ويجوز أن يتعلق بقوله: (يمكن) بضم الياء خبر عن استيفاء وهو أظهر، والجملة صلة الموصول الثاني، والجملة من كان واسمها خبر الأول أي شرط صحة الرهن أن يكون المرهون مما يمكن استيفاء الحق منه أو من ثمنه أو من ثمن منافعه قاله ابن شاس وغيره، فالأول كالدراهم والدنانير المطبوع عليها، والثاني كالعروض والحيوان والعقار ولو في بعض الأوقات ليدخل الآبق ونحوه، والثالث كالمدبر أي ويستوفي الدين من خراجه كما في المدونة ولا سبيل إلى بيع المدبر قبل موت السيد في الدين المتأخر عن التدبير حيث لم تف غلته به بخلاف السابق عليه، وبالجملة فيجوز رهن رقبته في الدين المتأخر على أن تباع بعد الموت، وفي السابق على أن تباع مطلقاً لبطلان التدبير كما قيل:
ويبطل التدبير دين سبقا ** إن سيد حي وإلا مطلقا

وإن رهنه ولم يشترط شيئاً فالظاهر الصحة، ويحمل في المتأخر على ما بعد الموت وفي السابق على الإطلاق، وكذا يجوز رهن غلة الدار والغلام وتحاز بحوز الرقبة لأن قبض الغلة إنما يكون بقبض أصولها ونفقة الغلام على الراهن، وإنما على المرتهن مجرد التولية لئلا تجول يد الراهن وتوضع تلك الغلة عند أمين أو عند المرتهن ويطبع عليها إن لم تعرف بعينها، ثم لا يكون للمرتهن من قيام الغرماء إلا الغلة خاصة، وكذا يقال بالوضع في خراج المدبر والله أعلم. فلو كانت الدار أو العبد حبساً على الراهن جاز له رهن غلتهما لا رقبتهما فإن وقع ورهن الرقبة وظهر بعد الرهنية حبسهما، فهل ينتقل الرهن لغلتهما؟ قولان. وقد قال ناظم العمل:
ورهن منفعة حبس جائز ** ممن له وهو لأصل حائز

فَخَارِجٌ كالخَمْرِ باتِّفَاقِ ** وَدَاخِلٌ كَالْعَبْدِ ذِي الإِبَاقِ

(فخارج) عن الضابط المذكور ما لا يمكن الاستيفاء منه شرعاً (كالخمر) والخنزير وظاهره سواء كانا لمسلم ورهنهما عند مسلم أو ذمي لذمي ورهنهما عند مسلم فيبطل الرهن (باتفاق) وإراق الحاكم الخمر على مالكها المسلم ويبقى الدين بلا رهن حيث وقع العقد عليها بعينها فإن تخللت كان المرتهن أحق بها ولا تراق على مالكها الذمي، بل ترد إليه والمرتهن أسوة الغرماء فيها ولو قبضها قبل المانع لعدم جواز ذلك في الأصل كما لأشهب، وأدخلت الكاف جلد الميتة الذي لم يدبغ اتفاقاً أو دبغ على المشهور، وكذا يدخل جلد الأضحية والجنين على المشهور والثمرة التي لم تخلف والزرع الذي لم يظهر، ونحو ذلك لكثرة الغرر في الجنين وما بعده على ظاهر المدونة. وقال ابن حارث: اتفق ابن القاسم وابن الماجشون على جواز ارتهان الثمرة التي لم تظهر ومثلها الزرع الذي لم يظهر. ابن عرفة: وهو ظاهر الروايات. اهـ. فالراجح في الزرع والثمرة الجواز مطلقاً قاله ابن رحال في الشرح. (وداخل) في الضابط المتقدم (كالعبد في الآباق) لأنه يمكن الاستيفاء منه فيباع إذا قبض. قال في المدونة: ويجوز رهن ما لا يجوز بيعه في وقت ويجوز بيعه في وقت آخر وأدخلت الكاف البعير الشارد والثمرة التي لم يبد صلاحها به والتي لم تظهر على ما تقدم أنه الراجح بخلاف الجنين فلا يجوز لقوة الغرر فيه باحتمال وجوده وعدمه والآبق موجود، ومحل المنع فيه إن كان رهنه في صلب العقد وإلاَّجاز بلا خلاف، ولا يتم الحوز في ذلك إلا بقبض الآبق والشارد قبل المانع ويقبض رقبة النخل والأرض ويتولى المرتهن أو نائبه سقي النخل وعلاج الزرع وأجر السقي على الراهن كما أن عليه نفقة العبد والبعير الشارد، وإنما تولى المرتهن ذلك لئلا تجول يد الراهن، وإنما جاز الغرر في نحو الآبق لأن القاعدة أن كل ما جاز بغير عوض جاز فيه الغرر كالطلاق والهبة والرهن، فإذا لم يظفر بالآبق ونحوه فكأنه طلق بغير عوض أو باع بلا رهن ابتداء وذلك جائز، وأدخلت الكاف الدين أيضاً فإنه يجوز رهنه سواء كان على المرتهن أو على غيره، لكن إن كان على الغير فلابد من قبض وثيقة ليتم الحوز وإن لم تكن وثيقة اكتفى بالإشهاد، ولا يشترط إقرار ذلك الغير بالدين ولا حضوره ولا كونه ممن تأخذه الأحكام بخلاف البيع في ذلك والفرق أن الغرر في الرهن جائز كما مرّ.
تنبيه:
إذا أدى شخص خراجاً على ربع لئلا يأخذه السلطان وربه غائب، فالمؤدي للخراج مقدم على الغرماء إذ لولا الخراج لأخذ الغاصب الرباع كمن فدى متاعه من أيدي اللصوص فهو أحق به. قاله التونسي وغيره انظر البرزلي.
وَجَازَ في الرَّهْنِ اشْتِرَاطُ المَنْفَعَهْ ** إلاَّ في الأشْجَارِ فَكُلٌّ مَنَعَهْ

(وجاز في الرهن اشتراط المنفعه) فاعل جاز وفي الرهن يتعلق به (إلا) حرف استثناء والمستثنى منه العموم الذي في أل الاستغراقية أي جاز اشتراط المنفعة في كل رهن إلا اشتراطها (في) رهن (الأشجار فكل) مبتدأ سوغه العموم وجملة (منعه) خبره بخلاف الدار والأرض ونحوهما فيجوز اشتراط منفعتهما مجاناً إذا ارتهنهما في ثمن سلعة باعها له إلى أجل معلوم وذلك بيع وإجارة لأن بعض السلعة في مقابلة الثمن وهو بيع وبعضها الآخر في مقابلة المنفعة وهو إجارة فتشترط شروطها التي أشار لها (خ): في قوله بمنفعة تتقوم قدر على تسليمها بلا استيفاء عين قصداً ولا حظر إلخ. ولذا منعت في الأشجار ولبن الحيوان لما فيها من استيفاء العين وهو الثمرة واللبن وليس إجارة إذ هو بيع ذات لم توجد أو لم يبد صلاحها إلا أن تكون الثمرة التي في شجر الدار أو الأرض المرهونة تبعاً كما قال (خ): واغتفر ما في الأرض ما لم يزد على الثلث بالتقويم وكما يأتي في باب الكراء عند قوله: وغير بادي الطيب إن قل اشترط إلخ. ومثال الحظر أن ترهن عبداً كافراً وتشترط منفعتك فيه في كنس المساجد وحمل المصاحف ومحل المنع في الأشجار إذا ارتهنت وحدها أو مع الأرض ولم تكن تبعاً، وإلا جاز اشتراطها كما يأتي في الكراء وما تقدم من جواز اشتراطه منفعة الأرض إنما ذاك إذا كانت مأمونة الري أو غير مأمونة بعد الري كعام واحد، وكانت مرهونة في ثمن غير الطعام ولا أدى لكراء الأرض بالطعام قاله أبو الحسن. ومحل الجواز الذي في المصنف إن اشترطت في عقد البيع مجاناً كما قررنا أو لتحسب من الدين على أن ما بقي منه بعد الأجل يعجل له لا إن كان ما بقي يستوفيه من المنفعة أو يأخذ فيه شيئاً مؤجلاً فيمتنع للدين بالدين، فإن كان ما بقي يترك للراهن لم يجز وإن لم يتعرضا لما بقي بتعجيل ولا غيره امتنع فيما يظهر لأن الأصل عدم التعجيل. وقوله في المدونة: لا يجوز في عقد البيع اشتراط أخذ الغلة في الدين إذ لا يدري ما يقتضي أيقل أم يكثر، وقد تنهدم الدار قبل أن ينقضي أمد الكراء إلخ. معناه إذا كان الأجل غير معين ولم يشترط عليه أنه إن لم يوف وفى له من غيره أو باعه ووفاه وإلا جاز كما مرّ قاله خش في كبيره وظاهر هذا ولو تطوع بالاحتساب من الدين بعد العقد وصرح به القلشاني في شرح الرسالة، وحينئذ فإذا كان ما بقي يترك للراهن فلا يمنع فيما إذا تطوع بعد العقد والله أعلم. وفهم من قوله اشتراط أن الشرط وقع في صلب العقد فلو تطوع له بها بعده منعت لأنها هدية مديان فإن دفع فيها عوضاً جرت على مبايعة المديان قاله اللخمي، ثم استثنى من المنع قوله:
إلاَّ إذَا النَّفْعُ لِعَامٍ عُيِّنَا ** وَالْبَدْوُ لِلصَّلاَحِ قَدْ تَبَيَّنَا

(إلا إذا) ظرف مستقبل (النفع) فاعل بفعل مقدر يفسره عيناً آخر الشطر (لعام) يتعلق بقوله: (عينا) بالبناء للمفعول (والبدو) مبتدأ مصدر بدا إذا ظهر (للصلاح) يتعلق به وجملة (قد تبينا) خبر المبتدأ والجملة حالية مقرونة بالواو وإنما جاز الاشتراط مع بدو الصلاح لأنه محض بيع إذ السلعة مبيعة بالثمن والثمرة، ومحل الجواز إذا كان المبيع غير طعام وإلا امتنع لما فيه من بيع الطعام بالطعام نسيئة ثم عطف على الممنوع وهو قوله في الأشجار فقال:
وَفِي الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ مِنْ سَلَفِ ** وَفِي الَّتِي وَقْتَ اقْتِضَائِهَا خَفِي

(و) إلا (في) الرهن (الذي الدين) مبتدأ (به) خبره وباؤه ظرفية وضميره للرهن الموصوف بالموصول وكأنه من باب القلب أي وإلا الدين الذي الرهن فيه (من سلف) حال من الدين، ويجوز أن تكون الباء بمعنى (مع) وإنما منع لأنه سلف بمنفعة فإن اشترط أن يحتسب به من دينه جاز حيث لم يؤجل السلف، وكان إن لم يوف باع الرهن ووفاه أو وفاه من غيره، وكذا إن أجل وكان ما بقي يعجل عند أجله أو يترك للراهن وإلا امتنع لأن ما بقي يفسخه في منافع يتأخر قبضها، فإن وقع واشترط المنفعة على الوجه الممنوع ففي البيع يجري على حكم البيع الفاسد فيرد إن لم يفت ولا غلة، وفي القرض يرد بدلها وكذا في البيع إن تطوع لأنها هدية مديان ويبطل الاختصاص به في كل منهما ويضمن ضمان الرهان إن تلف، وكذا يضمن في اشتراط المنفعة على الوجه الجائز على الراجح، ثم عطف على المستثنى المذكور أيضاً فقال: (و) إلا (في) المنفعة (التي وقت) مبتدأ (اقتضائها) مضاف إليه أي استيفائها (خفي) صفة مشبهة خبر المبتدأ والجملة صلة، وذلك كاشتراطها في رهن الثياب والحيوان لاختلاف الاستعمال فلا يدري كيف ترجع إليه وهذا أحد قولي مالك في المدونة. وعنه فيها أيضاً لا بأس بذلك في الثياب والحيوان وغيرهما لأن ذلك إجارة، وبه قال ابن القاسم وأشهب وأصبغ وهو المعتمد، ولذا أطلق (خ) حيث قال: وجاز شرط منفعة إن عينت ببيع لا قرض وفي ضمانه إذا تلف تردد إلخ. وقوله: إن عينت أي حدت مدتها بزمن يجوز كراء المرهون إليه إذ الإجارة لابد لها من أجل وظاهره زاد أجلها على أجل الدين أم لا. وهو كذلك كما صرح به في الكافي ونقله ابن عرفة.
تنبيهان:
الأول: إذا كان اشتراط المنفعة من باب الإجارة جرت فيها أحكامها التي من جملتها أن المنفعة إذا تعطلت بهدم الدار ونحوه لم يجبر الراهن على الإصلاح وكان الخيار للمرتهن في أن يفسخ عن نفسه، وإذا فسخ وجب له الرجوع بقدر ما ينوب المنفعة فيما خرج من يده لا بقيمة المنفعة ولا يصدق في ذلك التعطيل ليسقط عنه الأجرة إلا ببينة.
الثاني: إذا أراد المرتهن شراء الدار المرهونة المشترطة منفعتها قبل الأجل مقاصة، فلا يجوز لأن المقاصة لا تجوز إلا بعد حلول الدينين قاله البرزلي. بعد نحو كراسين من صدور البيوع وقال في الرهون عن ابن شعيب: لا يجوز ذلك لأنه فسخ دينه في دار لا تقبض إلا بعد تمام مدة المنفعة، وأما إن كان شراه مبتدءاً أي مستقلاً بلا شرط مقاصة فإن كان على أن تبقى الدار مرهونة في الحق إلى الأجل فإذا طولب بالحق أدى منها أو من بعضها وإلا تم البيع فيها فلا يجوز أيضاً لأنه غرر تارة بيعاً وتارة سلفاً، وإن كان على إبطال حقه في الرهن دون المنفعة فهو جائز كالأجنبي إن كان أمد الانتفاع قريباً لا يتغير البنيان فيه وليس البيع فيها فسخاً للكراء لأن متعلق البيع العين والكراء المنفعة، ولا ينتقل الملك في العين إلا بعد تمام مدة الكراء إذ لا تقتضي المنافع من العين إلا على ملك مالكها. قال: وعن بعض الأشياخ أن نفس عقد البيع فسخ للكراء. اهـ. فقوله: ولا ينتقل الملك في العين يعارضه ما صرحوا به عند قول (خ) في الإجارة وبيع دار لتقبض بعد عام فإن ضمانها من المشتري وذلك يدل على أن ملكها انتقل إليه. وقوله: عن بعض الأشياخ هذا إذا اشتراها المكتري لها لا الأجنبي وإلاَّ فلا ينفسخ ويثبت للمشتري الخيار إن لم يعلم بأنها مكتراة وما ذكره عن بعض الأشياخ هو المعول عليه كما يفهم من كلام (ح) عند قوله: واستئجار مؤجر وإنما امتنعت المقاصة قبل الحلول لأن من عجل ما أجل يعد مسلفاً فالبائع في المسألة مسلف بشرط الشراء فهو سلف وبيع بالنظر للمقاصة وفسخ بالنظر للتصيير في الدين، لكن قد علمت أن الفسخ إنما يأتي إذا قلنا أن ضمانها لا ينتقل إلا بعد تمام المدة وفيه ما رأيت فالأقرب الاقتصار على التعليل الأول والله أعلم.
وَبِجَوَازِ بَيْعٍ مَحْدُودِ الأَجَلْ ** مِنْ غَيْرِ إذْنِ رَاهِنٍ جَرَى العَمَلْ

(وبجواز بيع) الرهن (محدود الأجل من غير إذن راهن) يتعلق بجواز أو ببيع والمجرور الأول يتعلق بقوله:
مَعْ جَعْلِهِ ذَاكَ لَهُ وَلَمْ يَحِنْ ** دَيْنٌ وَلاَ بِعُقْدَةِ الأصْلِ قُرِنْ

(جرى العمل مع جعله) يتعلق بجواز أو ببيع أو باحتياج المقدر قبل إذن والضمير المضاف إليه المصدر للراهن (ذاك) مفعول أول بجعل والإشارة للبيع (له) في محل المفعول الثاني، وضميره للمأذون له من مرتهن أو أمين (ولم يحن دين) فاعل أي لم يأت أجله والجملة حال من الضمير المضاف إليه جعل (ولا بعقدة الأصل) يتعلق بقوله: (قرن) بالبناء للمفعول ونائبه للجعل، والجملة حالية أيضاً معطوفة على الجملة قبلها، والتقدير جرى العمل بجواز بيع المرتهن أو الأمين الرهن بعد أجله من غير احتياج لإذن راهن ثانياً مع جعل الراهن ذلك البيع لمن ذكر، والحال أنه لم يحن دين ولا قرن الجعل بعقدة البيع أو السلف، بل كان قبل الحلول وبعد العقد، ويحتمل أن يكون الضمير في قرن للرهن أي طاع بالرهن والإذن معاً وظاهره فوض له في الإذن أم لا، وهو كذلك خلافاً لابن الفخار في قوله: لا يستقل إلا إذا فوض له. وفي الورقة الرابعة عشر من بيوع البرزلي ما يقتضي أن العمل بتونس على ما لابن الفخار، وظاهر النظم سواء كان الإذن المذكور للمرتهن أو الأمين. قال الراهن: لكل منهما إن لم آت فبعه أو لم يقل ذلك فيجوز في هذه الأربع صور ابتداء وليس كذلك، بل إذا قال ذلك لا يجوز لأنه علق ذلك على عدم الإتيان، وقد يكون آتياً أو حاضراً لكن إن وقع مضى كما في المدونة ويمكن حمل قوله مع جعله إلخ. على ما إذا طاع بالرهن والإذن معاً كما مر أي بعد العقد وقبل الأجل، وسواء أذن للمرتهن أو الأمين أو غيرهما، وهذه حكى ابن رشد عليها الاتفاق لأنه معروف من الراهن، ونازعه ابن عرفة في الاتفاق قائلاً لأنه شبه هدية مديان فقد منعوا بيع الطعام بثمن مؤجل على تصديق البائع في كيله. اهـ. وعليه فمقابل ما به العمل في الصورتين هو عدم الجواز لأنه هدية مديان فمقابله في الصورة الأولى وهو ما إذا تطوع بالإذن فقط حكاه في ضيح عن بعض الموثقين، وفي الثانية هو ما تقدم عن ابن عرفة، وقد يجاب عن الهدية المذكورة بأن الإذن ليس زيادة حقيقة، وإنما أسقط عنه ما يتكلفه من الرفع والإثبات وخلصه من ورطة ذلك فهو إنصاف له من حقه وهو شأن الناس ولذا أجاز في المدونة وغيرها إعطاء الحميل أو الرهن بعد العقد وقبل الأجل ولم يجعله هدية، وظاهر النظم أنه لا فرق في ذلك بين رهن السلف أو البيع ومفهوم قوله: ولم يحن دين ولا بعقدة الأصل إلخ. أنه إذا أذن بعد الحلول أو في العقد لم يجز وهو مذهب المدونة والعتبية لأنها وكالة اضطرار لحاجته للقرض والبيع أو للتأخير بما حل، وأما إن أذن بعد الحلول من غير تأخير فالجواز اتفاقاً كما في طفي، وقيل: يجوز ذلك ابتداء وليست وكالة اضطرار وهو لابن العطار والقاضي عبد الوهاب، وسيأتي عن النهاية أن بهذا القول القضاء وعلى الأول له عزله كما في ابن عرفة، لكن إن لم يعزله حتى باع مضى كما في المدونة قال ابن فتوح: وبه القضاء وعلى الثاني ليس له عزله كما سيأتي، وحينئذ فيمضي بيعه إن أصاب وجه البيع على كل من القولين، وأما إن باع بأقل من القيمة فللراهن أخذه، وإن تداولته الملاك بأي الأثمان شاء كالشفيع، وهذا يدل على أنه لا يحتاج إلى تسويقه الشهرين، والذي في وكالة البرزلي أن الراهن إذا قال للمرتهن: بع بما شئت إن القضاة يضربون الأجل للبيع وهو مبني على عدم جواز التوكيل في العقد، فانظره فيه ولا فرق في ذلك كله بين الرهن الذي له بال وغيره ولا بين كونه عقد البيع أو القرض خلافاً لابن الفخار في قوله: بالمنع في القرض قال: لأنه سلف بمنفعة لأنه رفع بشرطه عن نفسه المؤنة في إثبات ما يتوصل به إلى البيع، وقد يقال: إن النفع الممنوع هو النفع الحامل على السلف كالزيادة فيه مثلاً وشرط بيع الرهن المأخوذ في عقد السلف ليس حاملاً على ابتداء السلف إذ لا معنى لكونه يسلفه لأجل أن يرفع عنه المؤنة في بيع رهنه لأنه إذا خشي ذلك ترك السلف من أصله فتأمله منصفاً. وكذا يقال في السلف بشرط التصديق في عدم القضاء ليس من سلف جر نفعاً كما قيل أيضاً: اللهم إلا أن يكون لما حل أجل السلف أخره على شرط بيع رهنه أو التصديق فيه فالنفع حينئذ واضح لأن التورط حينئذ قد حصل فهو يريد التخلص بالتأخير على شرط البيع أو التصديق، ويجري هذا حينئذ حتى في البيع لكنهم لم يعتبروه كما مرّ نظراً لكون التأخير كابتداء السلف، وليس معنى النفع في شرط بيع الرهن والتصديق هو كونه يتمكن من جحده في التصديق فيأخذ الدين منه ثانياً ويتمكن في الرهن بإظهار أقل من ثمنه الذي باعه به كما قاله بعض من لا تحقيق عنده، إذ لو كان هذا هو المراد ما وقع الاختلاف فيه بحال ثم ما تقدم من أن الإذن في العقد لا يجوز به البيع ابتداء إنما هو في الإذن للمرتهن، أما للأمين فيجوز كما أفاده (خ) لقوله: وللأمين بيعه بإذن في عقد إلخ. ومحل الخلاف المذكور في جواز التوكيل في العقد وعدمه إذا لم يفوض له أما إن فوض له في بيعه دون مشورة سلطان وأحله محل نفسه وأنه لا يعز له فيجوز اتفاقاً، لكن بشروط إقراره بالدين وبالوكالة وبالتفويض وبالتصديق في الثمن وبالتصديق في عدم الاقتضاء دون يمين، فهذه الخمسة تتلقى من إقرار الراهن ولابد أن يثبت بالبينة ملك الراهن واستمرار ملكه وحوز الرهن والسداد في الثمن. هكذا في الوثائق المجموعة، وإذا اشترطت هذه مع التفويض فأحرى مع الإذن المجرد، لكن أنت خبير بأن إثبات ما ذكر إنما يكون عند الحاكم فلم يبق للإذن ولا للتفويض ثمرة فهي حينئذ شروط في لزوم البيع للراهن، لكن اشتراط التصديق في الثمن وعدم الاقتضاء خلاف ما لابن رشد وظاهر المدونة كما في البرزلي، ولذا لم يعرج عليه (خ) وغيره وما عدا هذه لا يمضي عليه البيع إلا بها إلا أن الحوز شرط في الاختصاص فقط، وقد تقدم أنه إنما يمضي بيعه إذا أصاب السداد، وقد علمت من هذا كله أن البيع مع الإذن نافذ على كل حال فوض له أم لا. كان الإذن في العقد أو بعده وقبل الأجل أو بعده أذن له أو للأمين وعليه فلو قال الناظم:
وبيعه مرتهن أو الأمين ** منفذ إن راهن به أذن

لكان أخصر وأوضح وأشمل لجميع الصور، ولا يقال إنه أراد صورة الجواز ابتداء لأنا نقول كلامه صادق حتى بغير الجواز ابتداء كما مر، ومفهوم قوله مع جعله إلخ. أنه إذا لم يجعل له البيع أصلاً لم يجز له البيع وهو كذلك، فإن تعدى وباعه قبل الأجل أو بعده رد بيعه، فإن فات عند المشتري فعلى المرتهن الأكثر من الثمن أو القيمة انظر المتيطية، قال في المدونة: وإذا لم يأذن له الراهن في بيع الرهن رفعه المرتهن إلى السلطان فإن وفاه حقه وإلا باع الرهن وأوفاه حقه. اهـ. وكذا إذا كان الراهن غائباً وظاهرها أنه لا يسجن ولا يطلب بحميل إلى أن يبيع الرهن وإن الحاكم هو الذي يتولى بيعه أو نائبه ولا يجبر الراهن على أن يتولى بيعه وهو كذلك عند ابن رشد وغيره في الجميع خلافاً لبعضهم في قوله: بالسجن والجبر، وهذا كله إذا أمكن الوصول للحاكم وإلا جاز البيع اتفاقاً، لكن لابد أن يحضر العدول للنداء والإشهاد بما بلغ من الثمن كما في ابن عرفة والمتيطية وإلا رد بيعه إلا إن باعه بأقل من القيمة ثم إنما يجوز للحاكم الإقدام على بيعه في الغيبة إن ثبت عنده الدين والرهن ويمين القضاء وغيبة الراهن وأنها بعيدة أو لا يعلم موضعه وملك الراهن واستمراره وأنه أحق ما يباع عليه كذا للعبدوسي. قال ابن ناجي: وظاهر الكتاب أنه لا يلزمه إثبات ملكية الراهن ربعاً كان أو غيره وهو كذلك على أحد الأقوال، وبه كنت أقضي. وفي التبصرة الفرحونية عن ابن رشد: أن العمل على إثبات الملك ونحوه في (ح) وقول العبدوسي: وإنه أحق ما يباع عليه قال فيه ابن عرفة: الأظهر عدمه لتعلق حق المرتهن بعينه، وربما كان أيسر بيعاً مع أن راهنه كالملتزم بيعه. اهـ. ونحوه لابن ناجي قائلاً: إن ظاهر الكتاب أنه لا يفتقر لثبوت كونه أولى ما يباع عليه قال: وظاهره أيضاً إنه لا يفتقر في بيع السلطان إلى بلوغه القيمة، ابن عرفة: وهو ظاهر الروايات وهو مقتضى قول ابن محرز: ولو كسرت عروض المفلس وترجى لها أسواق بيعت عاجلاً ولم تؤخر، وهو ظاهر قول سحنون ببيع الحاكم ضيعة المدين بالخيار فإن لم يجد إلا ما أعطى باع. اهـ. ونحوه للبرزلي عن ابن محرز والسيوري قائلاً لأنه غاية المقدور قال: وجهل ابن محرز من قال ينظر للقيمة. البرزلي عن ابن محرز: وأعرف نحوه لابن رشد في البيع في نفقة المحجور قال: يستقصى ولا ينظر به القيمة لأنه غاية المقدور. اهـ. ونحوه في نوازل العيوب من المعيار وبه نعلم ما في اعتراض (ح) عن ابن عرفة.
تنبيهات:
الأول: قال في النهاية، قال القاضي عبد الوهاب: يجوز للراهن أن يجعل للمرتهن بيع الرهن وليس له أن يعزله، وبهذا القول القضاء اه لفظها. وظاهرها أنه لا عزل ولو مات الراهن وأفتى في أنكحة المعيار في المسائل التي سأله عنها الخالدي بأنه إنما لا ينعزل بموت الراهن إذا أقامه مقام المفوض إليه في الحياة والوصي بعد الممات. اهـ. وتقدم عن ابن عرفة أن له عزله على القول بعدم الجواز ابتداء وهو مذهب المدونة.
الثاني: قال البرزلي في نوازل المديان عن مقنع ابن بطال عن ابن الحكم: لا يبيع القاضي من دار المدين إلا بقدر الدين بخلاف ما يبيعه من جارية أو غلام يبيعه كله لضرر الشركة قال: وفي قسمة المدونة ولا يباع على ميت من داره إلا بقدر دينه. اهـ. ونحوه في التبصرة عن سحنون قال: يباع من أصله بقدر الدين إن وجد من يشتري بعضه. اهـ. وبه تعلم أن توقف (ح) في ذلك قصور.
الثالث: إذا باع المرتهن الرهن فادعى الراهن أنه كان دفع الدين إليه وأنكر المرتهن فإن لم يشترط في العقد التصديق وأقام بينة على الدفع انتقض البيع وإن لم يقم بينة حلف المرتهن ونفذ البيع وإن نكل حلف الراهن لقد أوفاه وسقط الدين ونفذ البيع ويرد المرتهن الثمن للراهن وإن اشترط التصديق في العقد فله شرطه وينفذ البيع. اهـ.
الرابع: قال القلشاني: وفي سماع أصبغ فيمن ادعى أن رجلاً رهنه قدحاً في كساء أن السلطان يأمره ببيع القدح في الكساء على زعمه أنه رهن، وقيل لا يأمره حتى يثبت ارتهانه عنده، وبه العمل قاله ابن رشد. اهـ. وقصة رهن القدح مبسوطة في (ح) والتبصرة وأبي الحسن.
الخامس: إذا أمر القاضي رجلاً ببيع الرهن فباعه وادعى ضياع ثمنه صدق والمصيبة من رب الدين قاله في المدونة. وسواء علم بيعه ببينة أو بمجرد قوله كما لابن يونس، ويظهر من هذا أنه إذا ادعى تلفه قبل البيع فالمصيبة من الراهن وهو كذلك على قول ابن القاسم كما في ابن عرفة آخر باب الرهن، ولو قال المأمور الذي أمره الحاكم ببيعه: بعته بمائة ودفعتها للمرتهن وأنكر المرتهن صدق المرتهن ولو كان المرتهن هو الذي أمره ببيعه صدق المأمور مع يمينه أنه دفع للمرتهن لأنه حينئذ وكيله.
وَجَازَ رَهْنُ العَيْنِ حَيْثُ يُطْبَعُ ** عَلَيْهِ أَوْ عِنْدَ أَمِينِ يُوضَعُ

(وجاز رهن العين) فاعل جاز (حيث) ظرف مضمن معنى الشرط يتعلق بجاز (يطبع) بالبناء للمفعول (عليه) نائب الفاعل وضميره للعين، والجملة في محل جر بإضافة حيث (أو) عاطفة (عند أمين) يتعلق بقوله: (يوضع) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير العين، والجملة معطوفة على جملة يطبع ولا مفهوم للعين بل غيرها من المثليات كالمكيل والموزون والمعدود، كذلك على المذهب خلافاً لأشهب في عدم وجوب طبع غير المعين، ومفهوم الظرف أنه يمنع رهنها إن لم يطبع عليها ولا وضعت عند أمين بل عند المرتهن، وهو كذلك حماية للذريعة أن يكون الراهن والمرتهن قصدا إلى السلف وسميا ذلك رهناً والسلف يفسد المعاملة التي قارنها بيعاً كان أو سلفاً. وقوله: يطبع أي طبعاً لا يقدر على فكه غالباً، وإذا زال علم زواله والطبع الذي لا يقدر على فكه أصلاً غير مطلوب، ثم إن شرط الطبع إنما هو في جواز رهنه كما هو ظاهر النظم لا في صحة حوزه لأنه إذا حازه المرتهن بدون طبع، فالحوز صحيح ويكون أحق به من الغرماء، وإن عثر على عدم طبعها في أثناء المدة استقبل الطبع ولا تنزع من يده، وحينئذ فإذا أزال المرتهن الطبع وعلم ذلك فلا يبطل اختصاصه به.
وَالرَّهْنُ لِلْمُشَاعِ مَعْ مَنْ رَهَنَا ** قَبْضُ جَمِيعِهِ لَهُ تَعَيَّنَ

(والرهن) مبتدأ (للمشاع) يتعلق به أي للجزء المشاع من عقار أو حيوان أو عرض (مع من) موصولة صلته (رهناً) والظرف يتعلق بالمشاع كدار أو عبد مثلاً يملك الراهن جميعهما ورهن جزء من أحدهما أو منهما (قبض) مبتدأ ثان (جميعه) أي جميع المرهون منه الجزء (له) يتعلق بقوله: (تعينا) والجملة خبر المبتدأ الثاني والثاني وخبره خبر الأول والضمير المجرور باللام يرجع للمرتهن، واللام بمعنى (على) أي عليه قبض جميع المرهون منه الجزء فيكريه ويليه لئلا تجول يد الراهن فيه وكان الأليق أن يذكر هذا البيت والذي بعده إثر قوله: والحوز من تمامه إلخ. وتقدم هناك حكم ما إذا رهنه بيتاً من داره.
وَمَعَ غَيْرِ رَاهِنٍ يَكْفِيهِ أنْ ** يَحُلَّ فِيهِ كَحُلُولِ مَنْ رَهَنْ

(ومع) يتعلق بمبتدأ محذوف دل عليه ما قبله أي والمشاع أي ورهن المشاع مع (غير راهن) كدار يملك الراهن نصفها فقط فيرهنه كله أو نصفه (يكفيه) بفتح الياء وضميره للمرتهن ومتعلقه محذوف أي يكفي المرتهن في قبضه وحوزه في الصورتين (أن يحل) بفتح الياء وضم الحاء مضارع حلّ إذا نزل فاعل يكفي (فيه) أي في المشاع المذكور يتعلق بيحل (كحلول من رهن) صفة المحذوف أي حلولاً كحلول الراهن بأن يجوز جميع ما على ملك الراهن، والجملة من يكفي وما بعده خبر المبتدأ وإنما كفاه الحلول المذكور لأن يد الراهن لم تبق جائلة فيه ولا يضره جولان يد شريك الراهن معه. وظاهر قوله: ومع غير راهن إلخ. أن للراهن رهن حصته وإن لم يأذن له شريكه في ذلك وهو كذلك فيما كان ربعاً أو منقسماً اتفاقاً كما هو ظاهر ابن عرفة، وحوزه في هذا الوجه أن يحل المرتهن محل الراهن أو يوضع عند الشريك أو عند أمين فإن أراد الشريك في هذا الوجه البيع قاسمه فيه الراهن والرهن بيد المرتهن، فإن غاب الراهن أقام الإمام من يقسم له وتبقى حصة الراهن رهناً في الوجهين، وأما إن كان المشاع لا ينقسم وهو غير ربع كالثوب الواحد أو السيف أو الدابة أو العبد أو نحو ذلك فالمشهور وهو مذهب ابن القاسم جوازه أيضاً. وقال أشهب: لا يجوز لأن رهنه يمنعه من بيعه ناجزاً والرهن منقوض حتى يأذن. ووجه قول ابن القاسم: إن ذلك لا يمنع الشريك من بيع حصته مبعضة أن يحمل البيع إن نقصت حصته منفردة ويحل المشتري محل الشريك، وإذا أجمل البيع كانت حصة الراهن من الثمن رهناً، إن بيع بغير جنس الدين وإلاَّ قضي الدين عنه إن لم يأت برهن كالأول، وقول الناظم: يكفيه أن يحل إلخ. أي يكفيه في حيازته وقبضه أن يحل إلخ. هذا على قوليهما في الربع والمنقسم، وعلى قول ابن القاسم في الثوب الواحد والسيف ونحوهما، وأما على قول أشهب فالرهن في هذا الوجه منقوض وإن لم يأذن كما مرَّ وإن أذن فليس له رجوع عنه حتى يحل الأجل ولا يكفي في حوزه الحلول المذكور عنده، بل لابد أن يكون جميع الثوب ونحوه عند المرتهن أو الشريك أو غيرهما من غير الراهن كما في ابن عرفة. وعلى المشهور من جواز رهن الحصة فيما لا ينقسم مما ينقل فلا يسلمه الراهن إلا بحضرة الشريك، وكذا لو باع أحد الشريكين فيه حصته فلا يسلمه للمشتري إلا بحضرة صاحبه أيضاً فإن غاب فالحاكم يقوم مقامه وكذا لا يستعمله إلا بإذنه والعرف الجاري بينهما بالاستعمال كالإذن فيه، فلو سلمه بغير إذنه فمقتضى القواعد أنه يضمن إن تلف لأن أحسن أحواله أن يكون كالمودع وهو إذا وضع يد الأجنبي يضمن بتعديه قاله (تت) عن الذخيرة، وفي معاوضات المعيار من باع نصف فرسه لرجل وسافر المشتري عليها فعطبت فهو ضامن لنصف شريكه إلا أن يسافر عليها بإذنه أو جرت العادة بينهما أن يسافر مثل ذلك السفر فلا ضمان عليه. اهـ. وانظر الغاصب يغصب في حصته أحد الشريكين فإن المغصوب عليهما والباقي لهما قال ناظم العمل:
وما من الجزء المشاع ظلما ** فذا وذا عليهما قد قسما

وأما إن غصب الدين من المدين بسبب رب الدين فإن ذلك براءة للمدين كما أشار له ناظم العمل أيضاً بقوله:
وما من الدين له رب دفع ** لغاصب غريمه لم يتبع

تنبيه:
إذا رهن الراهن نصف الثوب ونحوه مما يغاب عليه وقبض المرتهن جميعه ليتم الحوز له كان النصف الباقي للراهن أو لغيره، ولكن قبضه المرتهن بحضرة الغير وإذنه لم يضمن المرتهن إذا تلف ولم تقم له بينة إلا نصفه لأنه في النصف الآخر أمين، وكذا لو استحق نصف الرهن وتركه المستحق بيد المرتهن كما في المدونة.
وَالرَّهْنُ مَحْبُوسٌ بِبَاقِي مَا وَقَعْ ** فِيهِ وَلا يَرُدُّ قَدْرَ ما انْدَفَعْ

(والرهن) مبتدأ (محبوس) خبره (بباقي) يتعلق به (ما) موصولة واقعة على الدين (وقع) صلتها وفاعله ضمير يعود على الرهن (فيه) يتعلق به وضميره يعود على ما هو الرابط (ولا) نافية وفاعل (يرد) عائد على المرتهن (قدر) مفعول (ما) موصولة واقعة على الدين أيضاً (اندفع) صلته وفاعله يعود على ما، ومعناه أن الدين إذا قضى بعضه أو سقط عن الراهن بإبراء أو هبة أو طلاق قبل البناء فالرهن كله محبوس بما بقي من الدين لأن الأسواق قد تحول على الباقي، ولأن جميع أجزاء الرهن بجملتها في مقابلة كل جزء بانفراده من الدين وظاهره أنه لا فرق بين أن يتحد كدار وثوب أو يتعدد كدور وثياب وعكس النظم أنه لو استحق بعض الرهن أو تلف كما لو رهن عبدين فقتل أحدهما صاحبه فالباقي رهن في الجميع فالأولى النقص في الدين، وهذه النقص في الرهن فلذا كانت عكسها. (خ): وإذا قضى بعض الدين أو سقط فجميع الرهن فيما بقي كاستحقاق بعضه إلخ. وهذا إن اتحد الراهن والمرتهن، وأما إن تعدد الراهن والمرتهن فيدفع أحد الراهنين ما عليه أو يأخذ أحد المرتهنين دينه فينفك ما يقابله في الصورتين أما الأولى ففيها في رجلين رهنا داراً لهما في دين فقضى أحدهما حصته فله أخذ حصته من الدار، وأما الثانية ففيها أيضاً على نقل ابن عرفة: من رهن داراً من رجلين صفقة واحدة في دين لهما ولا شركة بينهما فقضى أحدهما كل حقه أخذ حصته من الدار. اهـ. يريد إذا أخذها فيجعلها بيد أمين أو بيد المرتهن الآخر أو يبيعها ولا يمكن من جولان يده فيها لئلا يبطل الرهن على الآخر قاله عياض. فإن أراد أحد المرتهنين بيع الرهن وأخذه الآخر بحقه فإن الرهن يقسم إن لم ينقص القسم حظ القائم فيباع له حظه ويوقف حظ الآخر، وإن لم ينقسم بيع وعجل حق القائم وحق الآخر إن حلف ما أخره إلا لإعطاء رهن مثله إلا أن يأتي الراهن برهن ثقة فيأخذ فاضل ثمن رهنه عن حق القائم، وانظر إذا قبض أحد المرتهنين دينه هل يدخل معه صاحبه؟ وهو ما في أبي الحسن وضيح والشامل.
وَشَرْطُ مِلْكِ الرَّهْنِ حَيْثُ لاَ يَقعْ ** إنْصَافُهُ مِنْ حَقِّهِ النَّهْيُ وَقَعْ

(وشرط ملك الرهن) مبتدأ ومضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله (حيث) ظرف مكان وتكون للزمان على قلة ومنه ما هنا يتعلق بشرط أو ملك (لا يقع إنصافه) فاعل والجملة في محل جر (من حقه) يتعلق بإنصاف (النهي) مبتدأ ثان وجملة (وقع) خبره. والجملة من الثاني وخبره خبر الأول، والرابط محذوف أي عنه. وفي بعض النسخ منع بدل وقع وعليها شرح اليزناسني فلك أن تجعل شرط مفعولاً مقدماً بمنع وظاهره كان الرهن في أصل المعاملة من بيع أو سلف أو متطوعاً به بعدها وهو كذلك، وظاهره أيضاً أنه يبطل اختصاصه به إذ النهي يقتضي الفساد وهو يستلزم البطلان، وفي ذلك تفصيل إما وجه النهي عنه إن كان في أصل المعاملة فإنه لا يدري ما يحصل من ثمن سلعته هل الثمن أو الرهن، وكذا في السلف لا يدري هل يرجع له سلفه أو يصير له الرهن فإن عثر على ذلك قبل الأجل أو بعده فسخ البيع إن لم يفت وإلا وجبت القيمة حاله ويصير السلف أيضاً حالاً والمرتهن أحق به حتى يأخذ القيمة أو السلف، وأما الثاني وهو المتطوع به فالعلة في النهي هي ما مر، ولكن لا يفسخ إلا الرهن وحده ويرد إلى ربه ويبقى الدين إلى أجله بلا رهن ولا يكون المرتهن أحق به في الموت والمسلف كمن له على رجل دين فأخذ منه بعد العقد وقبل الأجل رهناً على أن يؤخره لأبعد من أجله الأول، فلا يكون أحق به لأنه سلف ينفع أي لأنه انتفع بالتوثق في باقي الأجل الأول على التأخير الذي هو سلف فلا يرد ما مر عند قوله: وبجواز بيع محدود الأجل إلخ. من أن التأخير بدين كابتداء سلف برهن فإن لم يعثر عليه في المتطوع به حتى حل الأجل ولم يدفع إليه ثمنه أو سلفه صار كأنه باعه الرهن بيعاً فاسداً فيفسخ ما لم يفت ويكون أحق به من الغرماء فتستوي هذه حينئذ والتي الرهن فيها في أصل المعاملة أي لأنه بيع فاسد وقع في الرهن عند الأجل، وقد قال سحنون: للمشتري سلعة شراء فاسداً حبسها في ثمنها إن فلس بائعها كما في المواق ونحوه للطرابلسي في حاشية المدونة عند نصها الآتي، وعزاه لابن القاسم وهذا كله إن كانت المعاملة إلى أجل والرهن في أصلها أو بعدها كما مرّ، وكذا لو كان البيع أو السلف على الحلول فرهنه بعد العقد رهناً ليؤخره إلى أجل بشرط إن لم يوفه دينه عنده فالرهن مبيع بالدين فيفسخ هذا الشرط ويأخذ المسلف سلفه والبائع ثمنه ويكون أحق برهنه حتى يأخذ حقه، هذا ملخص ما في أبي الحسن مع بعض زيادة للإيضاح، وذلك على قولها ومن لك عليه دين إلى أجل فرهنك به رهناً على أنه إن لم يفتكه منك فالرهن لك بدينك لم يجز إلخ.
تنبيه:
علم مما مر أن النهي يستلزم الفساد وهو لا يستلزم عدم الاختصاص. واعلم أن المعاملة والرهن في هذا الباب تارة يكون الرهن صحيحاً والمعاملة فاسدة، وتارة بالعكس، وتارة يكون كل منهما فاسداً، فالأول يرد فيه السلعة والرهن، فإن فاتت السلعة المبيعة فالرهن في القيمة اتفاقاً، وأما الثاني فالغريم أحق بالرهن على ظاهرها وهو الأصح، وأما الثالث فيعلم حكمه من الوجهين قبله أي فالرد مع القيام والقيمة مع الفوات ويكون أحق بالرهن قال معناه الرجراجي انظر تمامه فيه.